فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ‏(‏ح‏)‏ وَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ثُمَّ قَالاَ جَمِيعًا عَنْ عَبِيدَةُ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضُّمَيْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ إنَّ ابْنَ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَسِيد بْنِ أَبِي أَسِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ هَذَا هُوَ الْبَرَّادُ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ هَلْ يَخْلُو تَارِكُ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَعِيدَ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَمَا مَعْنَى الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ إلَى الثَّلاَثِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي تَأَنِّيهِ بِهِ ثَلاَثًا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا فَلاَ يُطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ أَوْ يَتَمَادَى فِي تَرْكِهَا ثَلاَثًا فَيُطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ‏,‏ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِتَرْكِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي أَمَرَ بِجَلْدِهِ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى رُدَّ إلَى جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ

حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَجُلِدَ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلاََ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ قَالَ‏:‏ عَلاَمَ جَلَدْتُمُونِي‏؟‏ قَالُوا‏:‏ إنَّك صَلَّيْت صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ‏,‏ وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ‏.‏

فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ تِلْكَ الصَّلاَةِ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَفِي إجَابَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ‏,‏ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا‏;‏ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا كَانَ دُعَاؤُهُ دَاخِلاً فِي قَوْلِ اللهِ، تَعَالَى، ‏{‏وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ‏}‏ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلاَمٍ عَنْ الْحَضْرَمِيِّ بْنِ لاَحِقٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يُحَدِّثَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلاَمٍ عَنْ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَمٍ عَنْ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إسْلاَمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَاءٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ وَأَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَهُ‏.‏

وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ يُغْنِينَا عَنْ الْكَلاَمِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ‏,‏ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏,‏ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ‏,‏ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ قَالَ‏:‏ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ‏,‏ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَابْنُ أَبِي دَاوُد قَالاَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدٌ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ يَعْنِي النَّحْوِيَّ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو صَالِحٍ قَالاَ‏:‏ ثنا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ‏,‏ عَنْ أَيُّوبَ‏,‏ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما‏,‏ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ‏(‏ح‏)‏ وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ بِمَعْنَى فَكَأَنَّمَا نَقَصَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَمِنْهُ‏:‏ ‏"‏ قوله تعالى ‏{‏وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ‏}‏ أَيْ وَلَنْ يُنْقِصَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنْ الْمَصَادِرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا‏,‏ لأَنَّهُ لَوْ كَافِرًا كَانَ مَا قَدْ نَقَصَهُ مِنْ ذَهَابِ إيمَانِهِ أَكْثَرُ مِمَّا نَقَصَهُ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَكَانَ الْقَصْدُ إلَى ذِكْرِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ وَرَّادٍ قَالَ‏:‏ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى مُعَاوِيَةَ وَزَعَمَ وَرَّادٌ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ثَلاَثًا وَنَهَى عَنْ ثَلاَثٍ‏:‏ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَوَأْدُ الْبَنَاتِ، وَلاَ وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلاَثٍ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ،‏,‏ وَإِلْحَافِ السُّؤَالِ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ وَهُوَ النَّحْوِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ،‏,‏ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثَلاَثًا وَأْدَ الْبَنَاتِ، وَعُقُوقَ الآُمَّهَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَا هُوَ‏؟‏ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ السُّحَيْمِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَهُوَ فَخِذٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي لأَنَّ أَبَا يُوسُفَ مِنْ بَجِيلَةَ حَلِيفِ الأَنْصَارِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ وَلَدُوهُ قَالَ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَسْرُوقُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ‏:‏ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آتٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي فَبِمَ آمُرُهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَقِلَّةِ الْكَلاَمِ، إِلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِمْ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ فَعَمَّ أَنْهَاهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ انْهَهُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ‏,‏ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ يَعْنِي بِالْمَالِ الْحَيَوَانَ أَنْ لاَ يُضَيَّعَ‏,‏ وَيُحْسَنَ إلَيْهِمْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَانْهَهُمْ عَنْ عُقُوقِ الآُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى السَّرِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ تَكَلَّمَ فَإِنَّهُ شَيْخٌ قَدِيمٌ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْجُلَّةُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ‏,‏ وَلَيْسَ بِمَتْرُوكِ الْحَدِيثِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهْيُهُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَتَأْوِيلُهُ إضَاعَةُ الْمَالِ عَلَى الْحَيَوَانِ أَنْ لاَ يُضَيَّعَ وَأَنْ يُحْسَنَ إلَيْهَا‏.‏

وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ حَسَنًا‏;‏ لأَنَّ الْقِيَامَ بِهَا فِيمَا لاَ تَقُومُ أَنْفُسُهُمْ إِلاَّ بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ أَعْنِي فِي بَنِي آدَمَ وَمِنْ الْعَلُوفَاتِ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَاجِبٌ عَلَى مَالِكِيهِمْ لَهُمْ وَكَانَ مَالِكُوهُمْ إنْ قَصَّرُوا عَنْ ذَلِكَ آثِمِينَ‏,‏ وَبِهِ مَأْخُوذِينَ وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلنَّاسِ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مَعَ وَصِيَّتِهِ إيَّاهُمْ بِالصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِسَانُهُ لاَ يَكَادُ فَذَكَرَ كَلِمَةً فَقَالَ‏:‏ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يُغَرْغِرُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ قَدْ أَدْخَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلاً لَمْ يُسَمِّهِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَسْكُوتِ عَنْ اسْمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ سَمَّاهُ أَحَدٌ فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُغَرْغِرُ بِهَا لِسَانُهُ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ يُجَلْجِلُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ضَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَصِيَّتِهِ مَا مَلَكَتْ الأَيْمَانُ إلَى الصَّلاَةِ وَتَوْكِيدِ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا الْوُجُوبَ الَّذِي لاَ يَسَعُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ وَلاَ يَكْمُلُ الإِيمَانُ إِلاَّ بِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تُؤَوَّلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَنُ مَا تُؤَوَّلُ فِي النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي مَعَايِشِهِمْ‏,‏ وَفِيمَا لاَ تَسْتَقِيمُ لَهُمْ أُمُورُهُمْ إِلاَّ بِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ‏.‏

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ مَالِكٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَحِيرِ بْنِ ذَاخِرٍ الْمَعَافِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقُولُ‏:‏ يَا مَعْشَرَ النَّاسِ إيَّاكُمْ وَخِلاَلاً أَرْبَعًا فَإِنَّهُنَّ يَدْعُونَ إلَى النَّصَبِ بَعْدَ الرَّاحَةِ‏,‏ وَإِلَى الضِّيقِ بَعْدَ السَّعَةِ‏,‏ وَإِلَى الْمَذَلَّةِ بَعْدَ الْعِزَّةِ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْعِيَالِ،‏,‏ وَإِخْفَاضَ الْحَالِ، وَالتَّضْيِيعَ لِلْمَالِ، وَالْقِيلَ بَعْدَ الْقَالِ، فِي غَيْرِ دَرَكٍ وَلاَ نَوَالٍ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَسُلَيْمَانُ الْكَيْسَانِيُّ قَالُوا‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإِنَّهُ مُنَبِّهَةٌ لِلْكَرِيمِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ اللَّئِيمِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَقَالَ أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ رِزْقًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْك قَالَ‏:‏ وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلاَتِ مُحْتَمَلَةٌ لِمَا أُرِيدَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ غَيْرَ أَنَّ أَقْوَاهَا فِي قُلُوبِنَا التَّأْوِيلَ الأَوَّلَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا أَوْ مِمَّا سِوَاهَا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ الْعَبْدِيُّ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ‏:‏ رَأَيْت عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَجُلاً تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَعَضَّهُ أُبَيٌّ وَلَمْ يُكِنَّهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمُوهُ فَقَالَ أُبَيٌّ لاَ أَهَابُ أَحَدًا فِي هَذَا أَبَدًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلاَ تَكْنُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ ابْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُتَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلاَ تَكْنُوا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ سَمِعَ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحَيَاءُ مِنْ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ مِنْ النَّارِ قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَذَاءَ فِي النَّارِ‏,‏ وَمَعْنَى الْبَذَاءِ فِي النَّارِ هُوَ أَهْلُ الْبَذَاءِ فِي النَّارِ‏;‏ لأَنَّ الْبَذَاءَ لاَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ‏,‏ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذِكْرِهِ مَنْ هُوَ فِيهِ فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْبَذَاءَ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلاَفُ الْبَذَاءِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ وَهُوَ الْبَذَاءُ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُبْذَأَ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ الْبَذَاءُ‏,‏ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ الْبَذَاءُ فِيهِ وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ فَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِمَنْ كَانَتْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ‏;‏ لأَنَّهُ يَدْعُو بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ يَا لِبَكْرٍ يَا لِتَمِيمٍ يَا لِهَمْدَانَ فَمَنْ دَعَا كَذَلِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الْجَاهِلِيَّةَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُقُوبَتَهُ أَنْ يُقَابَلَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لِيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَبِاَلَّذِي دَعَا إلَيْهِ‏,‏ وَلِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَلاَ يَعُودُونَ إلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ‏,‏ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ‏,‏ قَالَ‏:‏ شَهِدْتُهُ يَوْمًا يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَإِذَا رَجُلٌ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ بِكَذَا أَبِيهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ فَكَأَنَّ الْقَوْمَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ لاَ تَلُومُونِي فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لَنَا مَنْ رَأَيْتُمُوهُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلاَ تَكْنُوا‏.‏

وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ‏;‏ لأَنَّ مَعْنَى مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عَزَاءِ نَفْسِهِ إلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ‏:‏ إضَافَتِهَا إلَيْهِمْ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ هَذَا الْمَعْنَى فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الصُّوفِيُّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ قَالُوا جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ قَالَ‏:‏ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ‏.‏

قَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ فَلَوْ كَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ كَمَا رَوَيْتُمُوهُ لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْقَوْلَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ لِمَنْ دَعَا بِمَا دَعَا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ‏;‏ لأَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِأَهْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِ النُّصْرَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَالدُّعَاءِ إلَى رَجُلٍ جَاهِلِيٍّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَافِرٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَجَاءَ فِيمَنْ دَعَا إلَى الْجَاهِلِيِّ مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِيمَنْ دَعَا إلَى مُهَاجِرٍ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَإِلَى نَاصِرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏;‏ لأَنَّ قَوْلَهُ يَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَقَوْلُ صَاحِبِهِ يَا لِلأَنْصَارِ شَبِيهٌ بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَا لِفُلاَنٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الْقَوْلَ مِمَّنْ قَالَهُ إذْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَوْجَبَا لأَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ النُّصْرَةَ لَهُمْ وَدَفْعَ الأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ وَتَقَدَّمَ الْوَعِيدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ تَرَكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي مَرَّ بِمَظْلُومٍ فَلَمْ يَنْصُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنِعْمَتِهِ اسْتِوَاءُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَانْتِفَاءُ التَّضَادِّ عَنْهُ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ لَهُ فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ غَفُورًا رَحِيمًا فَيَكْتُبُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَيَقُولُ نَعَمْ اُكْتُبْ كَيْفَ شِئْت

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ‏,‏ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ عُدَّ فِينَا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُمْلِي عَلَيْهِ غَفُورًا رَحِيمًا فَيَكْتُبُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ‏:‏ نَعَمْ اُكْتُبْ كَيْفَ شِئْت وَيُمْلِي عَلَيْهِ عَلِيمًا حَكِيمًا فَيَقُولُ أَكْتُبُ سَمِيعًا بَصِيرًا فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اُكْتُبْ أَيَّ ذَلِكَ شِئْت فَهُوَ كَذَلِكَ فَارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ لَيَكِلُ الأَمْرَ إلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَ مَا شِئْتُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إنَّ الأَرْضَ لَمْ تَقْبَلْهُ قَالَ‏:‏ أَنَسٌ فَأَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ رَأَى الأَرْضَ الَّتِي مَاتَ بِهَا فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا قَالَ‏:‏ أَبُو طَلْحَةَ مَا شَأْنُ هَذَا‏؟‏ قَالُوا إنَّا دَفَنَّاهُ مِرَارًا فَلَمْ تَقْبَلْهُ الأَرْضُ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِك هَذَا فِي بَابِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ وَذَكَرْت فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُطْلِقْ لَهُمْ مَا أَطْلَقَ لَهُمْ فِيهِ مِمَّا تَأَوَّلْت السَّبْعَةَ الأَحْرُفِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ عَلَيْهِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ وَالْعَجْزِ مِنْهُمْ عَنْ حِفْظِ الْحُرُوفِ بِعَيْنِهَا وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَصَاحِفِ الْمَنْقُولَةِ إلَيْنَا الَّتِي قَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِمَا فِيهَا عَلَيْنَا وَأَنَّهُ لاَ يَتَّسِعُ لَنَا أَنْ نَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بِخِلاَفِ الأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَا فِيهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الآُمُورَ إلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَدْ قِيلَتْ عَلَيْهِ‏,‏ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الأَلْفَاظُ بِهَا مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَعَانِي فِيهَا‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ هُوَ فِي الْقُرْآنِ لاَ فِي غَيْرِهِ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُمْلِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَاتِبِ مِنْ كُتُبِهِ إلَى النَّاسِ فِي دُعَائِهِ إيَّاهُمْ إلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي وَصْفِهِمْ لَهُ مَا هُوَ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْ الأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَ يَأْمُرُ ذَلِكَ الْكَاتِبَ بِهَا وَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ خِلاَفَهَا مِمَّا مَعْنَاهَا مَعْنَاهَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ صِفَاتِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ اخْتِلاَفَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُهُ فِي إبَاحَةِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ عِلاَطٍ السُّلَمِيَّ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ لِي بِمَكَّةَ أَهْلاً وَمَالاً وَقَدْ أَرَدْت إتْيَانَهُمْ فَإِنْ أَذِنْت لِي أَنْ أَقُولَ فِيك فَعَلْت فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مَا شَاءُ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ قَدْ اُسْتُبِيحُوا‏,‏ وَإِنَّمَا جِئْت لأَخْذِ مَالِي لأَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِهِمْ وَفَشَا ذَلِكَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْعَبَّاسَ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَقَرَ وَاخْتَفَى مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ بِذَلِكَ فَكَانَ الْعَبَّاسُ لاَ يَمُرُّ بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إِلاَّ قَالُوا يَا أَبَا الْفَضْلِ لاَ يَسُؤْك اللَّهُ قَالَ فَبَعَثَ غُلاَمًا لَهُ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاَطٍ فَقَالَ وَيْلَك مَا الَّذِي جِئْت بِهِ فَاَلَّذِي وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْت بِهِ فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِغُلاَمِهِ اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ لِيَخْلُ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ فَلَمَّا أَتَاهُ الْغُلاَمُ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ إلَيْهِ فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ أَتَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ فَخَلاَ بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَقَالَ لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَتَحَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ‏,‏ وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُولَ فِيهِ مَا شِئْت فَإِنَّ لِي مَالاً بِمَكَّةَ آخُذُهُ فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ فِيهِ مَا شِئْت فَاكْتُمْ عَلَيَّ ثَلاَثًا ثُمَّ قُلْ مَا بَدَا لَك ثُمَّ أَتَى الْحَجَّاجُ أَهْلَهُ فَأَخَذَ مَالَهُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ إنَّ الْعَبَّاسَ أَتَى مَنْزِلَ الْحَجَّاجِ إلَى امْرَأَتِهِ فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَمُرُّ بِمَجَالِسِ قُرَيْشٍ فَيَقُولُونَ لَهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ لاَ يَسُؤْك اللَّهُ فَيَقُولُ لاَ يَسُؤْنِي اللَّهُ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ بِذَلِكَ وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلاَثًا حَتَّى يَأْخُذَ مَا لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ لَكِ بِزَوْجِكِ حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ وَأَخْبَرَهَا بِاَلَّذِي أَخْبَرَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ بِفَتْحِ خَيْبَرَ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أَظُنُّك وَاَللَّهِ صَادِقًا قَالَ فَرَجَعَ مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ اسْتَخْفَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَا قَدْ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ إسْلاَمَ الْعَبَّاسِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إقْرَارُهُ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصْدِيقِهِ مَا وَعَدَهُ وَقَدْ كَانَ الرِّبَا حِينَئِذٍ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ حَرَامًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَهُمَا عَنْ حَنَشٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلأَصْحَابِي قِلاَدَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَسَأَلْت فَضَالَةَ فَقَالَ انْزَعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي الْكِفَّةِ وَاجْعَلْ ذَهَبًا فِي الْكِفَّةِ ثُمَّ لاَ تَأْخُذْنَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَأْخُذْ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلاَدَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ إدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ أَبِي هَانِئٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَكَانَ فِي هَذِهِ الآثَارِ أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ حَرَامًا بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ مِنْهُ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ غَرْقَدَةَ يَعْنِي شَبِيبًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَلاَ إنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ يُوضَعُ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَازِبِ بْنِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَبُو غَرْقَدَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ بِمَكَّةَ قَائِمًا لَمَّا كَانَتْ دَارَ حَرْبٍ حَتَّى فُتِحَتْ‏;‏ لأَنَّ ذَهَابَ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّمَا كَانَ بِفَتْحِهَا وَكَانَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ رِبَا الْعَبَّاسِ قَدْ كَانَ قَائِمًا حَتَّى وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏;‏ لأَنَّهُ لاَ يَضَعُ إِلاَّ مَا قَدْ كَانَ قَائِمًا لاَ مَا قَدْ سَقَطَ قَبْلَ وَضْعِهِ إيَّاهُ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِلْعَبَّاسِ رِبًا إلَى أَنْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ‏,‏ وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ حَلاَلاً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ حَرْبٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ قَالَ‏:‏ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَقَدْ قَالَهُ قَبْلَهُمْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِخِلاَفِ حُكْمِ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو رِبَا الْعَبَّاسِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَضْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏.‏

أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا أَوْ كَانَ فِي حَالِ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَعْنِي بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ‏,‏ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ فِي أَيِّ الأَمَاكِنِ كَانَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْ دَارِ الإِسْلاَمِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَهُوَ أَبْطَلُ‏.‏

فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ بِمَا قَدْ يَدُلُّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا حَتَّى وَضَعَهُ دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وَضْعِهِ إيَّاهُ بِمَكَانِ الرِّبَا فِيهِ خِلاَفَ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ‏;‏ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي حَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا‏;‏ لأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي حَالِ تَحْرِيمِهِ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَضْعَهُ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْعَبَّاسِ مِنْ أَسْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ وَمِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُ تَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِهَا‏,‏ لِنَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ إسْلاَمَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلَمَا حِينَ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنْ الأَسْرِ‏.‏

لأَنَّهُ لَمَّا فُدِيَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَجَعَ هُوَ وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الأَسْرَى إلَى مَكَّةَ عَلَى دِينِهِمْ الَّذِي أُسِرُوا عَلَيْهِ وَكَانَتْ بَدْرٌ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ كَانَ اعْتَذَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا‏,‏ وَأَنَّهُ أُخْرِجَ إلَى قِتَالِهِ كَرْهًا‏,‏ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لَهُ أَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِك فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَك‏.‏

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ وَبَقِيَ الْعَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَإِنْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ كَمَا ذَكَرَهُ قَدْ تَقَدَّمَ إسْلاَمُهُ بَدْرًا‏,‏ وَإِنْ يَكُنْ بِخِلاَفِ ذَلِكَ كَانَ مَا ذَكَرَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاَطٍ يُوجِبُ لَهُ الإِسْلاَمَ‏,‏ وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ يُوجِبُ إقَامَتَهُ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا‏,‏ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ‏,‏ وَإِقَامَتُهُ بِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَوْسَعُ مُدَّةً مِنْ إقَامَتِهِ بِهَا كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا وَلَهُ بِهَا رِبًا قَائِمٌ وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏